بسم الله الرحمن الرحيم
جرائم بلا شرف .. بقلم : منال اسماعيل
لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه عن جريمة ترتكب تحت مسمى الشرف, ضحيتها فتاة أو امرأة تتحول بلمح البصر من إنسان يفيض بالحياة إلى خبر يتصدر صفحات الجرائد, و القاتل أب أو أخ أو ابن أو قريب يتجرد فجأة من إنسانيته ويصبح عبداً لفورة غضب فيسفك الدم الذي يجري في عروقه...
هو الشرف..ذلك الشعار الذي ارتبط بأسمى القيم و أنبلها منذ أن كان الإنسان على هذه الأرض قد تحول إلى وحش بلا رحمة لا تزيده دماء النساء و الفتيات إلا عطشاً!!
لقد نسجت هذه الذهنية على مر العصور تلك العلاقة الوثيقة بين الشرف كمفهوم وبين تاء التأنيث و نون النسوة فجعلت أحدهما مرادفاًً بالضرورة للآخر وأصبح الرجل في حل منه, لا بل نصب نفسه حارساً عليه يقدم على مذبحه القرابين,
وهكذا تم تقزيم هذا المفهوم العظيم ليصبح أشبه بقطعة قماش بالية لا تغسل إلا بدماء من لطختها بالعار!
لكن هل يعقل أننا في الوقت الذي نتحدث فيه عن حقوق الحيوان لا الإنسان و في مقدمتها حق الحياة المقدس الذي أقرته شرائع السماء و الأرض لاتزال تحكم مجتمعنا عقلية تشرع قانون الغاب و ترتكب أبشع الجرائم التي لو كان الشرف رجلاً لأعلن براءته منها على رؤوس الأشهاد؟
وكيف تكون الصورة عندما يشيح القانون بوجهه عن الجريمة فيلتمس أعذاراً مخففة للقاتل و يضع دم الضحية في قفص الاتهام
فتكون بذلك قد قتلت مرتين؟؟
لكن إرفاق كلمة الشرف بالجريمة لا يجمل من وجهها القبيح أو ينقص من مخزون الشر الكامن فيها, فالجريمة جريمة وإن لبست لبوس الشرف, يذهب ضحيتها في غالب الأحيان أبرياء جعلوا وقوداً لنار غضب يطغى على العقل فيعطله و على الرأفة فيستأصلها وعلى روابط الدم و النسب فيذهب بها أدراج الرياح...
بالفعل لقد استطاعت هذه العقلية أن تزيل حاجز الزمن فربطت العصور الحجرية التي اعتقدنا أنها قد أصبحت وراءنا بالقرن الحادي والعشرين فازدادت بعداً عن الإنسانية وجعلت للغضب المتعطش للدماء قدسية في مجتمع المدنية و الحضارة وحقوق الإنسان!!
إن من يرتكب هذه الجرائم باسم الشرف أو يبحث لها عن ذرائع قد فاته أن الإنسان قد سبق القيمة و أنه هو من أسبغ القيم على الأشياء فجعل للحياة معنى, و لذلك فحياة الكائن البشري رجلاً كان أم امرأة هي الأغلى وهي جديرة بالحفاظ عليها.
وفي الختام لا بد أن نتساءل كم من قوافل النساء ستمضي إلى ذلك المصير الأسود قبل أن يدرك المجتمع أن للشرف كما للعار أبعاداً تتخطى حدود جسد الأنثى لتشمل حدود الوطن...
الوطن الذي تنتهك مقدساته و ترابه و سماؤه و ماؤه ... و قبل كل شيء كرامة الإنسان فيه و الذي هو القيمة الأسمى
و الأكثر قدسية فلا يثور غضب انتصاراً لشرف مهدور أو كرامة مستباحة؟
ما دام ربي معي ,, فحبكم وكرهكم ,, قربكم وبعدكم ,, سيان